"لماذا بير ميرتيساكر سعيد جدًا باعتزال كرة القدم؟"
بعد 15 عام كلاعب كرة قدم محترف، لاعب آرسنال السابق ومنتخب ألمانيا بير ميرتيساكر أعلن اعتزاله كرة القدم نهائيًا في مايو الماضي في سن الـ33، أنهكته الإصابات والضغوطات التي يتعرض لها لاعب كرة القدم.
يقول المدافع العملاق في هذه المقابلة أنه حان الوقت للناس كي يفهموا التكلفة البشرية التي يدفع ثمنها لاعب كرة القدم.
أول سبب يجعله سعيد بترك كرة القدم هو الغثيان، الغثيان الذي كان يتعرّض له قبل بداية كل مباراة بـ4 أو 5 ثواني، مباشرةً قبل ضربة البداية، لكنه محاطًا كل اسبوع بمشجعين جدد، لذا، عليه أن يقدم كل ما يملك خلال الـ90 دقيقة.
يقول بير: "التوتر يصبح لا يُطاق، معدتي تؤلمني، أشعر بالغثيان، صداع رهيب، أشعر بأنه سيُغمى عليّ، كنت أحاول أن لا أظهر ذلك لأحد، لا لاعبين ولا مدربين ولا كاميرات، حتى لا يسأل أحدهم عن الموضوع."
المقابلة كانت في مطعم في شمال لندن، ميرتيساكر يلتقط هاتفه، يتفحص رسائل الواتس آب، ثم يلتفت لي، بير نحيف، طويل جدًا، قدمه بالكاد تتأقلم مع حجم الطاولة.
يطلب من النادل زجاجة ماء، كاشو، ووجبة دجاج، يرتدي حذاء رياضي أبيض، وسترة رماديّة اللون.
في هذه المقابلة يريد ميرتيساكر أن يظهر لكم الجانب الوحشي من كرة القدم، يريد أن ينهي كافة الإفتراضات الخاطئة التي يعتقدها الناس، الوظيفة التي يراها الجميع كالحلم، هي كابوس حقيقي، الوقوف في وجه ضغوط مدمّرة، والوقوع في دائرة لا نهاية لها من التدريبات والمباريات والأمور الروتينية المعتادة للاعب كرة القدم.
يقول بير: "أنت في هذه الوظيفة مجرد لاعب خلف قميص، أنت لست إنسان ولن يراك أحد كذلك."
"لأكن صادق قبل كل شيء، أنا أدرك الحياة المتميزة التي أحظى بها، الكثيرون بإمكانهم فقط الحلم بشهرتي وبحسابي البنكي وكل ما يأتي مع ذلك، القصور والسيارات الفاخرة والإجازات في جزر سيشل والمالديف وغيرها."
ميرتيساكر على وجه الخصوص يريد أن يوضح لكم في هذه المقابلة أن العمل الهائل في كرة القدم يتطلّب من اللاعبين التضحية بما هو أكبر بكثير من أجسادهم.
"مشكلة الغثيان كنت أعاني منها ليلة المباراة، فريتز الذي كان يتقاسم معي غرفة الفندق في فيردر بريمن لفت انتباهي إليها، كان يحاول دائمًا جعلي أغفو قبله كي لا أتعرض لمشاكل غير متوقعة، قدمي اليمنى كانت تؤلمني لدرجة تدفعني إلى الجنون."
"ثم هناك الإسهال الذي يصيبني في صباح كل مباراة، هذا حدث لي أكثر من 500 مرة، كنت مجبرًا على الدخول للحمّام مباشرة بعد الإستيقاظ، بعد الفطور، بعد الغداء، ومرة أخرى في الملعب."
"كنت لا أتناول أي شيء قبل أي مباراة بـ4 ساعات كي لا يحصل ما هو غير متوقع أثناء اللعب، كالتقيؤ أو الإضطرار لدخول الحمّام."
"هل تصدّق؟ هذا شيء لا تعرفه زوجتي، ولا عائلتي ولا أحد من أصدقائي، لم أكن أريد أن أصنع دراما لا داعي لها."
في سن الـ11 انضم لهانوفر، يقول بير: "لم أكن أريد أن أصبح لاعب كرة قدم على الإطلاق، هي مجرد هواية أحب ممارستها، غرفتي في ذلك الوقت كانت مليئة بصور بوب مارلي."
في سن الـ15 والده رأى أنه يمتلك الإمكانيات كي يصبح لاعب كرة قدم، لكنه تعرض لمشاكل خطيرة في ركبته، مما دفعه للإبتعاد عن كرة القدم لمدّة عام.
والدي قال لي وقتها: "هكذا لن تصبح لاعب كرة قدم أبدًا، لنترك كرة القدم ونركّز على المدرسة."
لكنه عاد لشباب هانوفر بعد تعافيه، مساعد المدرب أخبره أن عليه شراء هاتف كي يتمكنوا من التواصل معه إن احتاجوه للفريق الأول، يقول بير: "أوه، توقفت لدقيقة، الأمور أصبحت جديّة."
في 2003 وقع عقده الإحترافي الأول مع النادي وأصبح يتقاضى بموجبه 1000 يورو شهريًا، بعد 20 مباراة تم استدعاءه لتمثيل منتخب ألمانيا الأول: "في البداية ظننتها كذبة أبريل."
تعرض لإصابته الخطيرة الأولى في 2005، يقول عنها: "لقد كنت أعاني من الآم فظيعة، لكن في هذه الوظيفة، عليك أن تحضّر نفسك دومًا حتى لو كنت مصابًا، ما لا يقتلك يجعلك أقوى."
"بعد الخسارة من إيطاليا في نصف نهائي 2006، لم أكن أريد لعب مباراة أخرى، لم أكن قادرًا على تحمل كل تلك الضغوط الرهيبة، ذلك السيناريو الفظيع بما سيحصل لك إن ارتكبت خطأ أدّى لهدف في مرماك، الأمور لم تكن إنسانية."
"الصحفيين بالنسبة لي كالنسور، عندما كنّا نخسر، ستجد كاميرات الصحفيين في كل مكان في التمرينات، وإن فزنا، لن تجد أحدًا منهم، لن تجد سوى عائلات أتت بأطفالها من مسافات بعيدة لمشاهدة اللاعبين في التمرينات وتوقيع الأوتوجرافات والتقاط الصور."
"الجميع يعتقد أن الإصابة هي نوع من الدراما والحزن لأنها تبعدك عن الفريق، لا، على العكس تمامًا، فهي الحالة الوحيدة التي تحصل فيه على وقت شرعي كإنسان خارج كرة القدم."
"في كرة القدم، لا أحد يهتم بمستواك في الـ10 مباريات الماضية، ما يهم هو اللقاء القادم فقط."
"كرة القدم هي مزيج من الحب والكراهية، عندما يحتفل الناس بك، فهو شعور لا يوصف، وعندما يصفّرون عليك، تشعر بالعار والخجل."
إنتحار صديقه والحارس السابق روبيرت إنكه عام 2009 أظهر كم هي خادعة كرة القدم، يقول بير: "لقد كان صديقي، صديقي المقرّب، ولم أكن أعرف ما يجري معه حتّى، لم أكن أعرف ظروفه، هذا يمنحك فكرة ما، أليس كذلك؟."
"في ذلك الوقت، كنت على وشك رفع المنديل والإعتزال وترك كل شيء، خصوصًا أنه وبعد اسبوع واحد فقط من انتحاره، كل شيء عاد كمان كان عليه قبل وفاته."
رسالة مهمة يود ميرتيساكر أن يوجّهها لكل من يقرأ الآن: "صديقي، الإنسانية في كرة القدم هي كلمات زائفة، كاذبة، خادعة، فارغة."
حسنًا بير، بعد أن أخبرتنا بكل هذه السلبيات والمعاني السيئة التي تحملها كرة القدم، لماذا واصلت اللعب؟
يستطرد ميرتيساكر: "تلك النشوة التي تشعر بها بعد الفوز لا مثيل لها، الإشادات من المدربين، حب اللعبة، فرحة الناس، خصوصًا الأطفال الذين يحبوك."
"مسيرتي فريدة، كنت محظوظ بشكل كبير، لم أتمكّن من التخلي عن كل ذلك بسهولة، الأمر أشبه بدخولك لدوّامة لا يمكنك الخروج منها."
"وبالطبع، المال، أطنان من المال."
"كرة القدم جعلتني أتخلى عن خصوصيتي، عن حياتي، عن حريتي وشبابي، لكني أكرر، كل ذلك كان باختياري، لم يجبرني أحد عليه."
ميرتيساكر يرى أن الأشخاص الذين عرفهم قبل كرة القدم هم اصدقاءه الحقيقيين: "زملاء المدرسة، الأشخاص الذين لعبت معهم كمراهق في طفولتي."
ميرتيساكر يقضي وقت طويل عادةً في منزل جدّه وجدّته، يقول بير: "تلك الأيّام مهمة لك لشحن طاقتك، هناك، عندما تعود للمنزل ليلًا، لا أحد يسألك كيف لعبت اليوم؟ لماذا لم تلعب بشكل جيد؟ هم فقط سعيدين لأنك في المنزل، فقط."
أطفاله بول وأوسكار من أهم أسباب اعتزاله كرة القدم، حيث يقول بير:
"هم وصلوا لسن يسمح لهم بمعرفة أن والدهم يلعب في آرسنال، والدهم مشهور والناس تعرفه، لا أريدهم أن يعرّفوا عن أنفسهم للناس من خلالي، لا أريدهم أن يذهبوا للمدرسة ويسمعوا الأولاد الآخرين يشتمون والدهم لأنه لعب بشكل سيء يوم أمس."
يقول بير أيضًا أن الأطباء نصحوه بالإعتزال لأن جسده إنتهى تمامًا ولم يعد قادرًا على تحمل ضغوطات اللعب.
هذه الفقرة هي الأهم، ميرتيساكر سيحصل على منصب تدريبي في أكاديمية آرسنال.
يقول بير عن سبب قبوله لتلك الوظيفة: "أريد أن أفتح عيونهم على أن الأشياء التي ينشرها اللاعبين عبر تويتر وانستجرام وفيسبوك، ليست انعكاس لحياتهم، تلك الأشياء ما هي إلّا مقتطفات صغيرة لا تكاد تذكر."
"سماعات الرأس الكبيرة والنظارات الشمسية الداكنة الجميلة التي يرتديها اللاعبين لا تدل على السعادة، وهي ليست ملحقات رائعة، هي فقط لحماية أنفسهم من العالم الخارجي، فهم لا يشعرون بالأمان."
يقول بير أنه لم يكن يعرف ما هو مقبل عليه عندما أصبح لاعب كرة محترف، لكنه يقول أيضًا: "حتى لو كنت سأذهب للمعد البدني 20 مرة قبل كل مباراة، لإخترت كرة القدم."
"تحقيق كأس العالم واللعب في ويمبلي أمام 50,000 شخص يهتفون لآرسنال، أشياء تستحق الإحتفاظ بها كذكريات."
"لكني وبعد 15 عام في الملاعب، وفي سن الـ33، بعد الإعتزال، أصبحت أشعر بأني حر لأول مرّة في حياتي."
تعليقات
إرسال تعليق